قال عنها الملك الحسين بن طلال
لمدرسة السلط من كل مدرسة قامت بعدها تحية التقدير والوفاء ولمدينة السلط من كل مدينة وقرية أردنية تحية الاخوة والثناء.

حكاية البداية

على رأس تلة جميلة مطلة على وادي السلط من جهة، وعلى ملتقى سفوح المدينة العريقة من جهاتها الأخرى تتربع أم المدارس الأردنية على نحو ثلاثين دونماً، في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة السلط تقف شامخة منذ ما يقرب من ستة وثمانين عاماً، تحكي بشموخها قصة وطن عزيز أبي.

وإذا كانت ستدفع إلى الوطن هذه الأيام ثلة من أبناء الوطن النشامى يمثلون فوجاً جديداً من خريجيها فإن كل مدارس الوطن ستفعل فعلها، لكن أياً من هذه المدارس لن تقدم فوجها الخامس والثمانين هذا العام مثلها، إنها ليست مدرسة ثانوية وحسب إنها الشاهد على تاريخ الدولة الأردنية الحديثة وليس أدل على ذلك من قول صاحب الجلالة المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال المعظم - طيب الله ثراه -: "... فلست أجد مدرسة ولا مؤسسة في بلدنا ارتبط تاريخها بتاريخ الوطن، واتصل استمرارها ببناء الدولة وتطورها كمدرسة السلط العريقة" .

وضع حجر الأساس لها يوم1923/5/12 صاحب الجلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه، وتفضل بافتتاحها بعد عامين وسبعة أشهر أي في يوم 1925/12/12 حيث تم بناؤها في عشرين غرفة منها أربع خارجية اتخذت مكاناً لنوم الطلبة الوافدين إليها من شتى مدن الأردن واستقبلت المدرسة طلبتها في المبنى الجديد بعد أن تنقلوا في أكثر من بيت من بيوتات السلط كمقرات مؤقتة للمدرسة من عام 1919 .

وبعد عدة أشهر قدمت المدرسة أول فوج من خريجيها بلغ عددهم أربعة طلاب، لتنطلق بعدها أفواج فرسان السلط الثانوية الذين تبوأ الكثيرون منهم مناصب عالية في الدولة فكان منهم رؤساء حكومات وقادة للجيش وغيرها من المواقع الهامة وساهمالخريجون في بناء الأردن الحديث دولة ذات مكانة متميزة بين دول العالم.

وحظيت المدرسة باهتمام بالغ من لدن أصحاب الجلالة الملوك الهاشميين أدام الله دولتهم بدءاً من الملك المؤسس عبدالله الأول والملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراهما، وانتهاءً بصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم اطال الله في عمره. فما انقطعت مكارمهم عنها منذ وجدت وحتى يومنا هذا.

لم يكن يوم السبت 1925/9/19 يوماً عادياً كغيره من الأيام بل إنه يوم يسجل باعتزاز في التاريخ الأردني الحديث فهذا اليوم هو اليوم الأول في العام الدراسي 1925 - 1926 وفيه استقبلت المدرسة تلاميذها في المبنى الجديد كان يوماً مشهوداً في تاريخ المدينة حيث انطلق التلاميذ بجوقتهم الموسيقية من أمام قصر الحكومة (السرايا) مروراً بأحياء المدينة وشوارعها إلى أن وصلوا إلى مركز المدرسة وهم يعزفون الأناشيد الوطنية ومن خلفهم جمع كبير من المواطنين، فكانت بداية هذا العام الدراسي بمثابة عرس من نوع خاصوفرحة عمت كل البيوت، واستمرت الاحتفالات حتى بدأ التدريس بصورة منتظمة يوم الأربعاء 1925/9/23

وشرعت المدرسة بالإعداد لاحتفال رسمي بهذه المناسبة، وكان ذلك بعد أن تم إنجاز القسم الليلي من البناء، حيث تم افتتاح المدرسة بشكل رسمي يوم 1925/12/12 برعاية سمو الأمير عبدالله بن الحسين، وكان عدد غرفها عشرين غرفة منها أربع خارجية منفصلة عن البناء الكبير تستخدم للمنامة وعدد الطلاب 200 طالب وأحد عشر معلماً، ودخل سمو الأمير صفوف المدرسة كلها وشاهد الأساتذة وهم في دروسهم، وقد شدد سموه أثناء اجتماعه بالمعلمين على أهمية إحياء اللغة العربية. هذه الواقعة التاريخية أعلنت انطلاق عهد جديد، وشهد ذلك العام الدراسي في نهايته تخريج الفوج الأول من طلبة المدرسة.

وحملت المدرسة عبر تاريخها عدة أسماء منها المدرسة السلطانية وهو أول اسم اطلق عليها ومدرسة السلط الأميرية، ومدرسة السلط التجهيزية، ومدرسة الحربي، والمدرسة الحزبية، ومدرسة التل، وأخيراً مدرسة السلط الثانوية وهو الاسم الذي أطلق عليها منذ عام 1938 وحتى الآن. ولا ننسى الاسم المحبب الذي نالته المدرسة بجدارة وهو (أم المدارس) فنرى الشاعر الراحل حسني فريز وهو أحد خريجي الفوج الثاني منها وأحد معلميها فيما بعد ثم مديرها يقول في قصيدته الشهيرة التي ألقاها بين يدي المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله في اليوبيل الذهبي للمدرسة يوم 1976/5/13 :

ام المدارس كم هنئت بظلها           ولقنت او لقنت حر مقال

قد انجبت في نصف قرن نخبة           في ساحة الشهداء والابطال

ومع تزايد أعداد الطلبة الدارسين في المدرسة وضرورة استخدام كل الغرف المتاحة ضمن حرم المدرسة تم إلغاء القسم الليلي في عام 1928 فعاد المعلمون والطلبة الغرباء إلى الاستئجار على حسابهم الخاص وبعد تسلم جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية أمر جلالته ببناء طابق ثان للمدرسة بسبب زيادة أعداد الطلبة ففي عام 1956 بدأ مشروع الطابق الثاني واستمر عاماً واحداً فقط حيث بدأت الدراسة فيه في بداية عام 1957 ويتكون هذا الطابق من( 9)غرف صفية وغرفة إدارية مساندة، كما يشتمل الطابق الثاني مرافق صحية مستقلة.

وفي عام 1973 تم بناء مختبرات العلوم للمدرسة بمبنى مستقل مكون من طابقين ومبنى آخر مستقل من طابقين يشغل الطابق الثاني منه مكتبة المدرسة بينما يستعمل الطابق الأول كمستودع للأثاث.

ولم تكن مدرسة السلط الثانوية أول مدرسة ثانوية أردنية فقط بل إنها كانت المدرسة الرائدة في الكثير من المجالات ومنها أن أول مكتبة مدرسية في الأردن تأسست في عام 1925 كانت مكتبتها.

وتشكلت فيها أول فرقة كشفية وكان ذلك في عام 1923 وفيها تأسست أول جمعية رفق بالحيوان (جمعية حماية الحيوان) وكان ذلك في عام 1926/12/3 وكان اعضاؤها من طلبة المدرسة بلغ عددهم في عام 1928 (12) عضواً وكان للجمعية نشاط ظاهر في تقديم المعلومات ذات الصلة، وفي إجراء المسابقات وتقديم الجوائز التشجيعية للفائزين في مسابقاتها.

وفي عام 1938 صدرت فيها أول مجلة مدرسية هي مجلة (مدرسة السلط الثانوية) وفيها أول مرصد جوي بسيط لقياس عناصر الطقس المختلفة، يضاف إلى كل ما سبق أن مدرسة السلط الثانوية هي المدرسة الوحيدة التي تظهر صورتها في طابع بريدي أردني وصدر في عام 1982( من فئة 10،20،25،50،100 فلس).

ان مدرسة السلط الثانوية التي تتوشح الاستقال الملكي من الدرجة الاولى ستظل تتربع في قلوب جميع الاردنيين وعقولهم ووجدانهم صرحا علميا وثقافيا وتاريخيا يشهد على حضارة بلد فقير بإمكاناته المادية عظيم بهمة قيادته وشعبة وطلابة